responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 371
كَلَامٌ عَامٌّ ثُمَّ قَوْلَهُ: وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ مخصوص بالمتقين، لأن الهدى اسم للدلالة بشرط كونها موصلة إلى البغية، ولا شك أن هذا المعنى لا يحصل إِلَّا فِي حَقِّ الْمُتَّقِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[سورة آل عمران (3) : آية 139]
وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)
اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي قَدَّمَهُ مِنْ قوله: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ [آل عمران: 137] وقوله: هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ [آل عمران: 138] كَالْمُقَدَّمَةِ لِقَوْلِهِ: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا كَأَنَّهُ قَالَ إِذَا بَحَثْتُمْ عَنْ أَحْوَالِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ عَلِمْتُمْ أَنَّ أَهْلَ الْبَاطِلِ وَإِنِ اتَّفَقَتْ لَهُمُ الصَّوْلَةُ، لَكِنْ كَانَ مَآلُ الْأَمْرِ إِلَى الضَّعْفِ وَالْفُتُورِ، وَصَارَتْ دَوْلَةُ أَهْلِ الْحَقِّ عَالِيَةً، وَصَوْلَةُ أَهْلِ الْبَاطِلِ مُنْدَرِسَةً، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَصِيرَ صَوْلَةُ الْكُفَّارِ عَلَيْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبَبًا لِضَعْفِ قَلْبِكُمْ وَلِجُبْنِكُمْ وَعَجْزِكُمْ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَقْوَى قَلْبُكُمْ فَإِنَّ الِاسْتِعْلَاءَ سَيَحْصُلُ لَكُمْ وَالْقُوَّةُ وَالدَّوْلَةُ رَاجِعَةٌ إِلَيْكُمْ.
ثُمَّ نَقُولُ قَوْلُهُ: وَلا تَهِنُوا أَيْ لَا تَضْعُفُوا عَنِ الْجِهَادِ، وَالْوَهْنُ الضَّعْفُ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي [مَرْيَمَ: 4] وَقَوْلُهُ: وَلا تَحْزَنُوا أَيْ عَلَى مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ أَوْ جُرِحَ وَقَوْلُهُ: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ فِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ حَالَكُمْ أَعْلَى مِنْ حَالِهِمْ فِي الْقَتْلِ لِأَنَّكُمْ أَصَبْتُمْ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ أَكْثَرَ مِمَّا أَصَابُوا مِنْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا [آلِ عِمْرَانَ: 165] أَوْ لِأَنَّ قِتَالَكُمْ لِلَّهِ وَقِتَالَهُمْ لِلشَّيْطَانِ، أَوْ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ لِلدِّينِ الْبَاطِلِ وَقِتَالَكُمْ لِلدِّينِ الْحَقِّ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ كَوْنَكُمْ أَعْلَى حَالًا مِنْهُمْ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ بِالْحُجَّةِ وَالتَّمَسُّكِ بِالدِّينِ وَالْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ مِنْ حَيْثُ أَنَّكُمْ فِي الْعَاقِبَةِ تَظْفَرُونَ بِهِمْ وَتَسْتَوْلُونَ عَلَيْهِمْ وَهَذَا شَدِيدُ الْمُنَاسَبَةِ لِمَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ الْقَوْمَ انْكَسَرَتْ قُلُوبُهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْوَهْنِ فَهُمْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى مَا يُفِيدُهُمْ قُوَّةً فِي الْقَلْبِ، وَفَرَحًا فِي النَّفْسِ، فَبَشَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ بَقِيتُمْ عَلَى إِيمَانِكُمْ، وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا تَكَفَّلَ بِإِعْلَاءِ دَرَجَتِهِمْ لِأَجْلِ تَمَسُّكِهِمْ بِدِينِ الْإِسْلَامِ. الثَّانِي:
وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ فَكُونُوا مُصَدِّقِينَ لِهَذِهِ الْبِشَارَةِ إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِينَ بِمَا يَعِدُكُمُ اللَّهُ وَيُبَشِّرُكُمْ بِهِ مِنَ الْغَلَبَةِ. وَالثَّالِثُ:
التَّقْدِيرُ: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ بِنُصْرَةِ هَذَا الدِّينِ، فَإِنْ كُنْتُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِمْتُمْ أَنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ لَا تَبْقَى بِحَالِهَا، وَأَنَّ الدَّوْلَةَ تَصِيرُ لِلْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْعَدُوِّ يَحْصُلُ لَهُمْ.

[سورة آل عمران (3) : الآيات 140 الى 141]
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (141)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ] وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ قَوْلِهِ: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ [آل عمران: 139] فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الَّذِي يُصِيبُهُمْ مِنَ الْقَرْحِ لَا يَجِبُ أَنْ يُزِيلَ جِدَّهُمْ وَاجْتِهَادَهُمْ فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَمَا أَصَابَهُمْ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ عَدُوَّهُمْ مِثْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانُوا مَعَ بَاطِلِهِمْ، وَسُوءِ عَاقِبَتِهِمْ لَمْ يَفْتُرُوا لِأَجْلِ ذَلِكَ فِي الْحَرْبِ، فَبِأَنْ لَا يَلْحَقَكُمُ الْفُتُورُ مَعَ حُسْنِ الْعَاقِبَةِ وَالتَّمَسُّكِ بِالْحَقِّ أَوْلَى، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ قَرْحٌ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ [آلِ عِمْرَانَ: 172] وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْقَافِ فِيهِمَا وَاخْتَلَفُوا عَلَى وُجُوهٍ: فَالْأَوَّلُ: مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 371
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست